مقدمة
يعد المؤشر العربي للاقتصاد الرقمي هو إحدى أهم مبادرات الرؤية العربية للاقتصاد الرقمي لتصوير الوضع الرقمي والاقتصادي في الدول العربية، وتقديم رؤى وتوصيات رئيسية لصانعي السياسات والقرارات في المنطقة العربية في سبيل تحقيق مستهدفات النمو الاقتصادي والرقمي المستدام.
وقام تقرير مؤشر الاقتصاد الرقمي العربي للعام 2022م، بتقييم 22 دولة عربية بناء على مدى استعدادها الرقمي وعلى قدرتها على الاستفادة الكاملة من الاقتصاد الرقمي. وتم إجراء هذا التقييم من خلال تسع ركائز رئيسة تم عرضها في هذا التقرير حيث تشمل: (البنية التحتية والابتكار والأسواق والأعمال والهياكل المؤسسية والحكومية والقوى العاملة والمهارات الرقمية وخدمات الحكومات الإلكترونية والمعرفة والتكنولوجيا والأسواق المالية والتنمية المستدامة). حيث استندت بيانات كل ركيزة من هذه الركائز إلى مجموعة من المؤشرات الدولية التي حددت الفرص والتحديات المتاحة لـ 22 دولة عربية، وتمثل النتائج الرئيسية خارطة طريق يمكن لكل دولة عربية اتباعها لتحسين استعدادها للتحول الرقمي. وفي المجمل، جاءت النتائج الواردة في تقرير مؤشر الاقتصاد الرقمي العربي لعام 2022 محفزة، حيث تُظهر انتعاشاً كبيرًا في الخدمات الرقمية في المنطقة العربية وكذلك قيام العديد من البلدان بتبني نهجاً مرتكزًا على البيانات في تقديم خدماتها الإلكترونية. وتشمل التقارير والمؤشرات الدولية التي اعتمد عليها هذا التقرير هي: (مؤشرات تنمية الحكومة الإلكترونية، تقرير مؤشر التنافسية للمنتدى الاقتصادي العالمي، مؤشر الجاهزية الشبكية، مؤشر الابتكار العالمي، مؤشر سهولة ممارسة الأعمال، تقرير أهداف التنمية المستدامة).
هيكلية المؤشر العربي للاقتصاد الرقمي
بناء على هذه الأبعاد، يقوم مؤشر الاقتصاد الرقمي العربي بتحليل أداء الدول العربية ويصنفها حسب استعداد كل منها للاقتصاد الرقمي. ويقدم تحليلاً احصائياً لكل دولة يحدد فيها موجهات ومتطلبات النمو الاقتصادي والحوكمة لمواكبة المتغيرات الرقمية وبناء النماذج المستقبلية.
وتساهم كل ركيزة من الركائز في القيمة الإجمالية للمؤشر (من 100 نقطة) في كل دولة من الدول. وتحدد القيمة الإجمالية للمؤشر ترتيب كل دولة ومكانتها ووضعها في المنطقة العربية. بالإضافة إلى ذلك، ولأغراض المقارنة، تم مقارنة الدول العربية باستخدام معيار آخر يشمل دولتين هما: سنغافورة وماليزيا. وترجع الأسباب الكامنة في اختيار هاتين الدولتين، نظرًا لنجاح منظومة التحول الرقمي فيهما والاعتراف الدولي الواسع بهما، وباعتبارهما اقتصادات نامية مشابهة للدول العربية.
النتائج الرئيسة
جاءت نتائج المؤشر كما هو موضح بالأشكال أدناه، حيث أظهرت استمرار دول الخليج العربي بالمقدمة (الدول القائدة)، محققة نتائج فوق مستوى 60 نقطة مقارنة بحوالي 76 نقطة لدول المقارنة المرجعية. جاء بالمجموعة الثانية (الدول الواعدة) كل من الأردن، والمغرب، وتونس، ومصر، والجزائر، ولبنان، وقد حققت كل تلك الدول نتائج فوق 46 نقطة ودون 58. ثم جاءت المجموعة الثالثة (دول تحتاج تعزيز القدرات) والتي ضمت كل من وبالترتيب: العراق، وسوريا، واليمن، وجيبوتي، وموريتانيا، والسودان، وليبيا، والقمر المتحدة، والصومال، ثم فلسطين، وحققت هذه المجموعة نتائج ما بين الـ 23 إلى 34 نقطة على مقياس المؤشر.
أداء الدول القائدة وفقًا للركائز
الركيزة الأولى: المؤسسات
تجسد ركيزة المؤسسات الاستقرار والبيئة التنظيمية والحوكمة في أي دولة. ويكون دور الحكومات في هذه الحالة هو بناء الإطار المؤسسي السليم الذي يعزز روح المبادرة، والنمو الاقتصادي، وسيادة القانون، وتحسين نوعية حياة المواطنين ومعيشتهم، حيث يؤدي ذلك بالتبعية إلى جذب الاستثمار وتعزيز الابتكار وإبداع القطاعات الاقتصادية، وخاصة قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
الركيزة الثانية: الحكومة الرقمية
تتكون ركيزة الحكومة الرقمية بشكل أساسي من ثلاثة مؤشرات رئيسية: “مؤشر البنية التحتية للاتصالات (TII)، ومؤشر رأس المال البشري (HCI)، ومؤشر الخدمات الإلكترونية (OSI)“.
الركيزة الثالثة: البنية التحتية
تتضمن هذه الركيزة مجموعة مؤشرات فرعية طورتها منظمات دولية مثل الكتاب السنوي للإحصاء للاتحاد الدولي للاتصالات-مؤشرات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات/مؤشرات النفاذ إلى خدمات الاتصالات، ومؤشرات استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، ومشاركة المواطنين عبر الإنترنت، ووفقاً لنظام الحسابات القومية يتم في كل قطاع قياس تكوين رأس المال الإجمالي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية. أما الأداء اللوجستي: فيعتبر معيار لمساعدة الدول على تحديد الفرص والتحديات التي يواجهونها في مجال الخدمات اللوجستية التجارية وما يمكنهم القيام به لتحسين أدائهم.
الركيزة الرابعة: القوى العاملة
تتكون هذه الركيزة من ثلاثة مؤشرات رئيسة: القوى العاملة الحالية: حيث يركز على تحليل: متوسط سنوات الدراسة، ومدى تدريب الموظفين، وجودة التدريب المهني، ومجموعة مهارات الخريجين، والمهارات الرقمية بين السكان في سن العمل، وسهولة العثور على الموظفين المهرة. القوى العاملة المستقبلية: حيث يركز على تحليل: متوسط العمر المتوقع في المدرسة، والتفكير النقدي في أسلوب التدريس، ونسبة التلاميذ إلى المعلمين في التعليم الابتدائي. تنوع القوى العاملة: من حيث المساواة بين النوع والعرق والدين، ومدى امتلاك الدولة للمهارات المتقدمة والمعارف البشرية.
الركيزة الخامسة: الابتكار
تتمثل إحدى المشكلات الرئيسية التي يواجهها العالم العربي في الافتقار إلى قطاع إنتاجي يلعب دوراً حيوياً في تعزيز الابتكار والإبداع. وذلك لأن المنطقة العربية غالباً ما تكون مستهلكاً لسلع وخدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بدلاً من القيام بإنتاجها وذلك باستثناء الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية في ظل الإصلاحات الهيكلية الجديدة التي تقوم بها. وعليه فإن نقطة البداية هي تشجيع الاستثمارات في الشركات الصغيرة والمتوسطة، حيث سيؤدي ذلك إلى تعزيز القطاع الإنتاجي وخلق فرص عمل. ويتم تقييم النظم البيئية للابتكار باستخدام مؤشرات مثل جودة المؤسسات العلمية وإنفاق الشركات على البحث والتطوير وقدرة الشركات على الابتكار. ومؤشرات “الابتكار” الرئيسة هي كالتالي: (التوجه المستقبلي للحكومة، التعاون بين جميع أطراف أصحاب المصلحة، نشر الأبحاث العلمية، براءات الاختراع، نفقات البحث والتطوير كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، ثقافة ريادة الأعمال)
الركيزة السادسة: المعرفة والتكنولوجيا
تتضمن هذه الركيزة مؤشرات: (شهادات الجودة / ISO 9001 / مليار دولار من إجمالي الناتج المحلي، الإنفاق على البرمجيات كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، صادرات خدمات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات كنسبة من إجمالي حجم التجارة، تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والقدرة على إنشاء نماذج جديدة للشركات والمؤسسات). كما تقوم الركيزة بقياس إمكانية بناء المعرفة وقياس تأثير نشرها. وتقوم أيضاً بقياس معدل استيعاب الدول في استخدامها للتكنولوجيات الناشئة والرقمية. حيث أظهرت الركيزة أن المنطقة العربية تتحرك بمعدلات استيعاب متميزة وتتمتع دول مجلس التعاون الخليجي بمعدل مرتفع لاستخدام التكنولوجيات الناشئة والرقمية.
الركيزة السابعة: قوى السوق
تتكون هذه الركيزة من ثلاثة مؤشرات تتمحور حول شروط السوق وإجمالي المعاملات: (المؤشر الأول يقوم بقياس سهولة الحصول على الائتمان، يتضمن المؤشر الثاني سهولة حماية صغار المستثمرين، أما المؤشر الأخير فيتناول المنافسة على المستوى المحلي).
الركيزة الثامنة: نمو سوق المال
تتضمن مؤشرات “نمو سوق المال”: (الائتمان المحلي الممنوح للقطاع الخاص كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة، توافر صناديق الاستثمار والتمويل، القيمة السوقية، القروض المتعسرة كنسبة من إجمالي القروض، قدرة البنوك على السداد، الوقت اللازم لبدء نشاط تجاري (عدد الأيام)، تكلفة بدء عمل تجاري كنسبة مئوية من نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي).
الركيزة التاسعة: أهداف التنمية المستدامة
يمكن للدول العربية أن تسخر أدوات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة على الرغم من تأثيرات على أهداف التنمية المستدامة.
تقييم الدول القائدة وفقًا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة
الخاتمة
إن الظروف التي يمر بها العالم أجمع والمنطقة العربية بشكل خاص تحتم إعادة النظر معمقا في السياسات والإستراتيجيات الواجب اتباعها للنهوض بعجلة التنمية
ولم يعد هذا التغيير اختيارا يمكن تأجيله أو تركه بل أصبح أمرا محتوما لمجابهة التحديات المتعاظمة الناجمة عن تواتر الأزمات والكوارث.
واستعداداً لهذه الأوضاع المتغيرة بشكل متسارع، يجب أن تتضمن الإستراتيجيات المستقبلية مجموعة من المعايير المستحدثة، التي تأخذ بعين الاعتبار أبعاداً جديدة وتعالج أموراً غير متوقعة، كما أنه من الأهمية أن تشمل كافة النواحي الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وتستفيد مما تقدمه التكنولوجيا الرقمية من مزايا للتعاطي مع هذه التحديات. ولقد رأينا كيف أصبح الاقتصاد الرقمي مورداً هاماً من موارد الاقتصاد العالمي، تزداد مكانته يوماً بعد يوم، إذ أصبح يقود قاطرة التنمية، وأثبت قدرته على إحداث طفرات على الواقع الاقتصادي في كل جوانبه.