مقدمة
تنطوي تربية المراهقين بشكل عام على القلق بشأن استخدامهم لمنصات مثل Instagram وSnapchat وTikTok. تشير دراسات متعددة إلى وجود روابط بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والقلق والاكتئاب بين الأطفال والمراهقين. ومع ذلك، كشفت دراسة جديدة عن ارتباطات مماثلة بين الاكتئاب واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لآبائهم وأجدادهم أيضا.
وتأتي النتائج من مشروع دول كوفيد، وهو سلسلة من الدراسات الاستقصائية للبالغين في جميع الولايات الـ 50، والتي بدأت في ربيع عام 2020م، بعد فترة وجيزة من بدء الجائحة. يقوده فريق متعدد التخصصات من الباحثين من أربع جامعات، من بينهم روي بيرليس، أستاذ دوزوريتس للطب النفسي في مستشفى ماساتشوستس العام وكلية الطب بجامعة هارفارد، وجون ديلا فولب، مدير استطلاعات الرأي في معهد السياسة بجامعة هارفارد كينيدي. في هذه الدراسة، حددوا 5395 شخصًا أمريكيًّا، بمتوسط عمر 56 عاما، خضعوا لفحوصات مسبقة ولم تظهر عليهم أي علامات للاكتئاب. شاركوا في استطلاعات رأي عبر الإنترنت تم إجراؤه شهريًّا تقريبًا بين مايو 2020 ومايو 2021م، وتم تحليل البيانات في شهري يوليو وأغسطس 2021م، سئل المشاركون في البداية عما إذا كانوا يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي. عندما تم استطلاع الرأي مرة أخرى في وقت لاحق، كان أولئك الذين استخدموا Snapchat وFacebook وTikTok أكثر عرضة للإبلاغ عن أعراض الاكتئاب.
تفسيرات خادعة للعلاقة بين الصحة النفسية ومواقع التواصل الاجتماعي
بينما ركزت معظم الأدبيات السابقة على الأطفال أو الشباب، “ولكن ونحن في عام 2022م، هناك أيضا كبار السن يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي، ولا نعرف شيئا تقريبا عن العلاقة بين وسائل التواصل الاجتماعي والقلق والاكتئاب لدى كبار السن”. وتبدو مثل هذه الأسئلة ملحة بشكل خاص بالنظر إلى تأثير الوباء على الصحة العقلية. ويقول: “كانت معدلات الاكتئاب والقلق مرتفعة للغاية في وقت مبكر من الوباء، وظلت أكبر بنحو ثلاثة أضعاف مما كانت عليه عادة”.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن تفسير النتائج المتعلقة بالصحة النفسية واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي قد يكون خادعًا، فمعظم الدراسات لا تستطيع إثبات أن استخدام تلك المنصات يسبب الاكتئاب، فغالبًا ما تلتقط هذه الدراسات لحظة واحدة من الوقت، وتظهر أن المستخدمين يبلغون عن المزيد من أعراض القلق والاكتئاب، في حين أن المعاناة من تلك الأعراض قد تجعل الشخص أكثر عُرضةً للانخراط في وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي الوقت ذاته، ربما يكون الأشخاص الذين يستخدمون تلك المنصات أكثر عُرضةً للاكتئاب، كونها تصبح بديلاً عن رؤية الرفاق أو الأهل في الواقع، أو لأن اتجاههم إلى مواقع التواصل نابع من افتقادهم للدعم الاجتماعي في العالم الحقيقي.
ورغم أن الدراسة لم تتمكن من تقديم أسباب قاطعة للاكتئاب بين مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، فإن حقيقة كون أفراد عينة الدراسة لم يكونوا مكتئبين عند بدايتها، وأنها أجريت مع مرور الوقت، مكنت الباحثين من متابعة ظهور أعراض الاكتئاب لدى المبحوثين.
وكشفت الدراسة عن أن مصادر الخلاصات الإخبارية، وحجم الدعم الاجتماعي (أشخاص يتم التحدث معها إذا كان لديك مشكلة أو شعور بالحزن أو الاكتئاب)، والوقت الذي يقضونه وجهًا لوجه مع الآخرين لم تؤثر بشكل فعّال على مستويات الاكتئاب لديهم.
وهناك اعتراف بأن هذه الدراسة الأخيرة لا تزال غير قادرة على تفسير ما الذي يسبب الاكتئاب بين مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، لكنها “تتيح لنا البدء في شطب تفسيرات بديلة للعلاقة التي رأيناها”. عرف الباحثون أن المشاركين في الدراسة لم يكونوا مكتئبين عندما بدأت الدراسة، وبما أنها أجريت بمرور الوقت، فقد مكنتهم من رؤية أعراض الاكتئاب تظهر. أظهر تحليلهم أيضا أن مصادر أخبار المشاركين، وعدد الدعم الاجتماعي، والوقت وجها لوجه مع الآخرين لم يؤثر بشكل كبير على مستويات الاكتئاب لديهم.
روابط بين منصات تواصل اجتماعي معينة والاكتئاب في فئات عمرية محددة
من جهة أخرى، توصلت الدراسة إلى نتائج هامة، حيث حدد الباحثون روابط بين منصات تواصل اجتماعي معينة والاكتئاب في فئات عمرية محددة، فعلى سبيل المثال، ارتبط استخدام Facebook بالاكتئاب بين الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 35 عامًا في عينة الدراسة، أما المجموعة التي تزيد على 35 عامًا، فارتبطت أعراض الاكتئاب لديهم باستخدامهم لـ ” TikTok” وSnapchat””.
وعلى الرغم من أن الدراسة لم تقدم تأكيدًا على سبب ارتباط وسائل التواصل الاجتماعي بالاكتئاب، لكنها رجحت أن ينطبق عليها نفس الأسباب عند المراهقين، مثل النظر باستمرار إلى صور الأشخاص الذين يبدو أنهم أكثر سعادة منهم، أو الأشخاص الأكثر ناجحًا، وأولئك الذين يبدو أنهم يتمتعون بحياة أفضل، وكذلك التعرض لوابل من الصور السلبية عبر المنصات يؤدي إلى اعتلال الحالة المزاجية.
ولفتت الدراسة إلى أهمية أن تكون هناك مستويات من الاستخدام لا بأس بها، ونقطة قد يصبح فيها هذا الاستخدام أقل صحة، ويتطلب تحديد هذا “المقدار” بحثًا مستقبليًّا، كما تشير إلى أن الأشخاص المعرضين لمشاكل الصحة النفسية يمكنهم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على المساعدة عند الحاجة، في إشارة للدعم من المحيط المجتمعي.
على الرغم من أن الدراسة لا يمكن أن تؤكد سبب ارتباط وسائل التواصل الاجتماعي بالاكتئاب، إلا أن بيرليس يتكهن بأن “ما يبدو أنه كما هو الحال عند الأطفال ربما يكون صحيحا عند البالغين: النظر باستمرار إلى صور الأشخاص الذين يبدون أكثر سعادة منك، وأكثر نجاحا منك، والذين يبدو أنهم يتمتعون عموما بحياة أفضل منك، بالتأكيد لا يجعل معظم الناس يشعرون بتحسن”. من غير المرجح أن يساعد وابل من الصور السلبية أيضا. ويقول إن وسائل التواصل الاجتماعي تشبه “الشرب من خرطوم الإطفاء”، على النقيض من الأشكال القديمة من وسائل الإعلام، التي تقدم جرعات أصغر من الصور التي يحتمل أن تكون ضارة.
كما هو الحال مع العديد من الأشياء الأخرى، ربما تكون هناك مستويات استخدام جيدة تماما، ونقطة ربما تصبح فيها أقل صحة. ” الإجابة على جميع المجهولين حول وسائل التواصل الاجتماعي والصحة النفسية، بما في ذلك سؤال “كم”، يضيف بيرليس، يتطلب بحثا في المستقبل. وهو يأمل في تحفيز “الآخرين الذين كانوا يعملون بشكل أوثق في هذا المجال” على الغوص في مثل هذه الأسئلة. إذا تم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي من قبل أشخاص معرضين لمشاكل الصحة النفسية، فربما يمكن استخدام هذه المنصات بشكل خلاق للوصول إليهم وتقديم المساعدة عند الحاجة، كما يقترح بيرليس. “كيف نستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لتشجيع السلوكيات الصحية، بحيث من المحتمل أن تسهم في الصحة العامة؟ هذا هو نوع العمل الذي أود أن أراه ينجز”.
خاتمة
ختامًا، يمكن القول بأن نتائج تلك الدراسة تطرح على المجتمع الأكاديمي تحديًّا يتمثل في البحث عن إجابة لعدد من التساؤلات المهمة، ومنها:
- كيفية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتعزيز الصحة النفسية للمستخدمين.
- تعريف ماهية الضوابط المتعلقة بمعدلات استهلاك تلك المنصات.
- مع ضرورة إعداد أدلة إرشادية لاستخدام آمن لمواقع التواصل الاجتماعي.
المصادر